
Stories Of Resilience
Explore how Sudanese people dealt with thee war through words.

طواحين لوسيفر الماسونية
عاصم الطيب قرشي
١)
ساقية توتي القديمة لم تعد مدورة فقد حلت محلها مطاحن الشر تطحن عظام البشر و معاصر العصر تصفي الدماء البيضاء عن الحمراء و تفرز ماء الحياة عن زيت الشعب الذي طلع مع طلائع أصوات القواديس.
أما أصواتُ القواديسِ الأخرى و خريرُ المياهِ، فقد بَحَّت و حلَّ محلَّها طنينٌ و أنينٌ حنينٌ قبل أنْ تخفَتَ و تَنخمِدَ كمدا.
٢)
في ميدان كُرة مساجين كوبر سردابٌ مظلمٌ يشق كرة الأرض و قلوب الأمهات بشفرة كهربية سالبة تطفئ الأنوار كلها لتحرك ماكينات طواحين لوسيفر.
هناك، في ذلك السرداب تشكلت حكومة ظل بدستور دائم، سلطة تشريعية متسلطة، سَلَطَة تنفيذية متسَلِّقة و رابعة إعلامية متملقة.
كانت عدالة دستور حكومة ظل الأهوال ظلم طال، برلمانها حلم استحال، و وزرائها مكممون بالمال، بل و مقيدون بالأغلال. أما إعلامها فقد إستبدل بكاتب عرضحال يكتب و يمحو و يدين و يشجب ثم يصرف راتبه و مخصصاته في كل حال من الأحوال.
٣)
الساقية لم تعد مدورة و أحمد لم يعد يحكي شيئا بعد أن صمَّ صوت القنابل أذنيه فانطمَّ ثمّ اجتمعت عليه الغمة بالحمى فمات أحمد خلق الله، تلاه أبوه و أمه و إخوته الصغار.
في ليلة وفاته إتكى الموج و بكى النيل على أبيه التربال الذي لحقه بالحسرة قبل أن يوصي وصيته الأخيرة.
٤)
كان ذلك بعد آخر رسالة أرسلت سراً بسيرك الحبل السري من إمبراطور حكومة الظل لكتائب الظل و ظلال الجن الكلكي القابعة تحت أكوام القمامة. كانت الرسائل تكتب بالحبر السري و تختم بدم آدمي غاني الحمرة تذبح أوداج أصحابه قرابينا قبل دقيقة واحدة من إرسال كل رسالة. لقد كان لوسيفر و الماسون الأعظم شاهدان على قرارات إمبراطور حكومة الظل فبصما عليها أكثر من مليون بصمة بأصابعهما الإخطبوطية.
٥)
فوق أعلى قمة جبل جليدي قصر بنته ثلوج المتجمد الشمالي بأمر من المسيخ الدجال. هناك إجتمع إبليس بوزير خارجية اليانكي و رصيفه في دولة العدو.
لم ينبس إبليس بكلمة واحدة لكنه وضع بينهما رقعة شطرنج رمادية ثم رسم عليها خرطة السودان الجديد.
بدأت اللعبة في لازمن فلعبت أمريكا بالقطع السوداء و سمت ملكها كارابوف ليكرب كل العالمين بينما لعبت دولة العدو بالقطع البيضاء و سمت ملكها كاسباروف لتكسب الرهان و كل الراهن.
إستبدل اللاعبان جنودهما بمشاة من أرض الرجال و الذهب فكان جيش الحكومة من نصيب كاسباروف بينما الجنجويد لكارابوف. تبدلت الطوابي ببوارج بحرية و الرخ بقواعد جوية و الحصين بحصانة دبلوماسية تعبر القارات لتزود جنود كاسباروف بسلاح مدمر لتقبض الثمن ذهبا خالصاً، بل حتى وزيرا الشطرنج استبدلوهما بوزير الموساد و آخر حرفوا إسمه لموت ساد إمعاناً في قسوة القتل و التشريد.
أما إبليس شخصياً فقد كان قلقاً جداً بعد أن أطفأ عينه اليمنى تيمناً بالمسيخ و غير كل ملامح وجهه، فرسم في خده الأيسر حفتر و في الآخر فاقنر ثم لبس عقاله و أشعل غليونه الذي تطاير شراره في مشارق الأرض و مغاربها مرة يتوارى و يتبخر و مرات يمشي على سطحها كالطاؤوس و هو يتبختر. يجر خلفه ذيل طويل و كل ريشة فيه تخلد روح من خطوا بروتوكولات بن زايون بدءاً من بن قوريون، مروراً بقولد ماير و شارون و آفي ديختر و الملعون كوهين و المنعوت بالنتانة نتن ياهو.
٦)
هكذا بدأ شهر أبريل بكذبة و انتصف بضربة و انتهى بغربة. فبينما كانت جمعة أبريل قود فرايدي عند المسيحيين تعبق برائحة الشواء و شرائح اللحم و البيض المقلي، أتت جمعة المسلمين رمضانية حارقة رغم أنها مقدسة و يوم عيد يجتمع فيه المسلمون. تلا الجمعة سبت كان من المتوقع أن يكون سبتاً أخضر مقدس لدى اليهود. أما المسلمون فقد خالفوا النصارى و اليهود لأول مرة بعد نهاية الخلافة الاسلامية. جمعة أساؤوا فيها للأمة لتكون أول باد فرايدي في تاريخ الإسلام، أعقبوها بسبت غبي قتلوا فيه الأبرياء ليكتب في تاريخ اليهود سيلي ساتردي بدلا من هولي ساتردي. لم يبق إلا يوم الأحد و لن يبقى إلا الواحد الأحد الفرد الصمد.
٧)
في مساء تلك الجمعة إجتمعت ثلة من المسيلميين الصائمين عن السلام قبل الطعام على دعوة إفطار من صاحبهم الهمام، سارق دقيق الخبز و الأحلام. وقف صاحب الجلباب العريض منفوخ الأوداج أمامهم و عمامته تعمها الفوضى و على صدره صدرية معتمة تخفى سواد قلبه:-
نعشيهم فتة بوش في العشية و نفطر بيهم شية آدمية في المدينة الرياضية.
ضحكوا جميعا و صفقوا فرادى ثم هللوا و كبروا. لقد إجتمعوا و وضعوا النقاط، أوصلوها بخطوط و شبكوها بخيوط العنكبوت قبل أن يتفرقوا. مكروا مكرهم و قرروا في يوم الجمعة و في السبت كروا فقتلوا و سحلوا ثم فروا..
كانت الصدرية المعتمة للمتكلم في إفطار عصابة الظلام تخفي كائناً هلامياً يلوح طيفه القبيح على بصيص ضوء شارد غير مريح، ربما يكون أحد أصناف الريح الأسود أو البنفسج.
٨)
عاصمة البلاد تعج بجنود تناسلوا مع الجن و تمازجوا فولدوا جن أحمر و آخر أسود و جنجويد من كل حدب ينسلون. بيد أن تحت ركام الأوساخ انتظمت طاقات من البكتيريا بروائحها المتعفنة لا تناصر إلا الجنجويد بدعوى أنهم جن يركب جواد.
٩)
في تقاطع شارع المك نمر مع شارع السيد عبدالرحمن وقع شاب عشريني فاقع اللون فاحم الشعر فريسة في كمين الجنجويد. كان يتمشى بصعوبة و قد خرج لتوه من مستشفى الشعب بعد أن ضمدوا جراحه إثر شظية قنبلة أصابته.
رغم الضرب و القصف المتواصل إلا أنه أصر على العودة لبيتهم في تقاطع البلدية مع المك نمر لطمأنة أسرته.
أوقفه أحد جنود الجنجويد:- ثابت، إتَّ يا حمار يا جاسوس. نادى زميله بصوت عالي:- محيميد تعال شيف ده كمان قال سوداني، خلقاتا زي المرة و جِلِدا أمَّلَس.
ماشي يين يا زول؟
لم يرد عليه الشاب.
إتو تقولوا أنهن من تشاد! بتَّاً با الله أنا سوداني أكتر منك يا هُمار.
عمَّر الجنجويدي الآخر بندقيته الكلاشنكوف و قال لزميله:- "إتظاهر لي مِنَّا لا غادي خلِّي نَشِيف رَجَالْتا."
"هوي يا هُمار، أَم ترقص براك و لا نرقِّصَك؟"
لم يرد الشاب لفرط آلامه و إرهاقه فبادر الجنجويدي بضرب مجموعة ذخيرة تحت رجلي الشاب، مرة بالقرب من رجله اليمنى و أخرى باليسرى، مما اضطر الشاب للقفز باليمين و الشمال.
صاح أحدهم من البعد و هو يضحك: "خطوات تنظيم ياا، ولع النار فوك الني خلي ينجض".
ما زال الجنجويدي يعبث بالفتى و يضحك إلى أن أصابته شظية في عينه فنزف شلالا من الدماء.
تركوه ينزف، لكن قبل أن يغادروا نقطة الإرتكاز التفت محيميد لزميله قائلا:- "خي تِمَّ لا تعَذِّبا" فضربه طلقة واحدة رسمت وردة حمراء قصاد قلبه.
وضع قائد الجنجويد أصابع يده اليمنى مضمومةً أعلى رأسه ففهم الجنود دعوة التجمع فاجتمعوا و ركبوا عربتهم اللاندكروزر. في الطريق همس أحد الجنود لمحيميد:- خَي، كتلتا ساااي بلا غبينة.
رد عليه:- هو دواسنا ده كلَّا فوكَّأ غبينة؟
بعد دقيقة من هذا الحوار سمع صوت ضرب كثيف انتهى بطلقة آربيجي دمرت العربة اللاندكروزر و أحرقت من فيها.
١٠)
في نفس الوقت حدث في شارع القيادة بالقرب من صينية بري أن اضطر شاب تُشي ملامح وجهه عن انتمائه لقبائل زرقة غرب السودان.
اختبأ الشاب عامل النظافة بمستشفى المعلم لمدة أربعة. أخيرا قرر الخروج و الذهاب لبيتهم بشرق النيل بعد أن نفذت مؤونة غذائه و انقطع مدد مائه فتوجه جنوبا ناحية بري ليوقفه أحد أفراد إرتكاز جنود الجيش السوداني مشهرا فوهة بندقيته في وجهه:-
ثابييييت.
وقف الفتى و قد استوى طعم الحياة و الموت عنده فتذكر وصية أمه و أبيه بأن لا يذهب للخرطوم و أن يبقى معهما يرعى لهما ما تبقى لهم من سَعِيّة خير من ألف وظيفة. تذكر خطيبته التي انقطع عنها أربعة سنوات بعد أن ضرب الجنجويد قبائل الزرقة هناك و نهبوا أغنامهم و إغتصبوا حرائرهم. سرح لمدة دقيقة واحدة كانت أطول دقيقة في حياته إستعاد فيها جزءا كبير من ذكريات طفولته قبل أن ينتهره ملازم أول فاقع اللون لا يسر الناظرين:-
"يا عب إنت ما عندك مخ؟ ماشي وين في الكبسيبة دي؟"
رد الفتى في خاطره المكسور بلا صوت:- "أنا سيد بلد ما عب يا عربي يا مقطَّع، البلد ده سموه السودان ما سموه العربان و لا البيضان".
أردف الملازم:- أبقى راجل أفتح خشمك يا كُهنة، انتو من ما جيتوا البلد دي نشفتوها علينا و جوا القحاطة قحطتوها زيادة.
مرة أخرى صمت الشاب و تمنى لو كان هذا الملازم وحده لينقض عليه و يضربه بسلاحه رجلٌ برجلٍ لكن أحد الجنود تدخل و باغته بلكمة في وجهه قائلاً للملازم:- ده بيكون دعامي يا جنابو، قلع الكاكي و عامل فيها سيد بلد.
صمت الملازم و تذكر بنود بروتوكول يهود السودان بندا بندا. تذكر عهده مع جنرالات الحرب و خطة دولة النهر و البحر ثم انتبه لحديث الجندي و رد عليه.
الملازم:- فعلا، مافي ملكي عاقل بيطلع في وكت زي ده، تتذكروا ملازم الشرطة الصرف لي واحد زيو صرفة كاملة في شرق النيل؟ يلا أصرفوا ليه حقو بالكامل.
إجتمع ثلاثة جنود و أفرغوا في صدره ذخيرة تكفي لقتل مئة عدو.
ارتجفت كل خلية من جسم الفتى قبل أن تخرج روحه فصرخ صرخة أرعبت كل جنود الارتكاز:-
خليتكم لي الله، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
لم تمض دقيقة واحدة حتى صار الملازم يبكي و يتمرغ في الأرض. لقد خرجت روح الفتى و مرت عليهم جميعا ثم طافت سبعة أشواط حول الأرض قبل أن تغادر للبرزخ.
عندما مرت روحه بمدينة الجنينة كان الغطاء قد كشف عنه تماما فشاهد رسول لوسيفر لجن في الجنينة. ركب الجن على ظهر ثور فأصابه بجنون البقر و هاج الثور ليبقر بطون جنود الجيش قبل أن يقتلوه. هاج ثور آخر و آخر و كلما تدفق الدم الأحمر هاجوا أكثر. ظن بعض الجنود أن أسحار الجنجنويد جننت البقر ليجنوا عليهم فأحاطوهم بنيران بنادقهم.
أما في فاشر السلطان فقد شهد انقسام الناس لفريقين بعد أن ضرب لوسيفر إسم فاشر بسيفه فأخفى فاء الشرطية و ألف الجلالة كي لا يترك سببا واحد لإتفاق مشروط، بينما أظهر النصف الآخر لتصبح شر السلطان.
١١)
بين كل هذا و ذاك، كانت تفوح رائحة ون مان شو الرجالية كلما مر الفتى الإستثنائي الذي كان يجوب في شوارع العاصمة ينثر ألحان الحب بربابته. "تنعدل عليك دنيا و آخرة، عديلة ووو يا صاحب الربابة، يا وريث مقام الشيخ إسمعيل صاحب الربابة". هكذا كانت تردد حاجة مسونكيل المحسية كلما تنفست عبق عطره الذي يذكرها بعطر زوجها المرحوم.
١٢)
و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين. إجتمع ساسة الفرنسيس برئيسهم الدسيس حول مسلة باريس معلنين أنهم شعب ماكرون.
الماكرونيون الماكرون أول قبيلة غربية قامت بتصنيع و تسويق الصمغ السوداني. حسنوه و سحنوه و عربوا إسمه المنكر بديباجة الصمغ العربي.
لقد سيطروا على أكسجين البلاد خمس هوائنا كما سيطروا على خمس الصمغ السوداني من غابات السودان الفرنسي ثم ضربوا أخماسه الكبرى من سافنا السودان الإنجليزي.
الغريب أن الإجتماع كان بلغة عربية مكسرة و لوسيفر كان يترجم لكل اللغات بطلاقة.
١٣)
قبل أن تفرقهم سياراتهم الدبلوماسية قفز لوسيفر من برجه و جلس في وسطهم و هو ينظر في كل الإتجاهات مسلطا عدسة عينه الساحرة في عيونهم جميعا.
لم يكن برج إيفل - الذي بني له خصيصا و سمي بإسمه - بعيدا عن المسلة السودانية المسروقة التي اجتمعت عندها العصابة.
١٤)
وضع لوسيفر كيكة كبيرة مرسوم عليها خرطة السودان في مركز دائرتهم و أخرج خنجرا مسموما ثم سألهم:- أخبروني كيف ستقسمون هذه الكيكة حتى أتعرف على مكرمكم و دهائكم أيها الشياطين الملاعين.
كانت الطاولة تجمع وجوها تمثل جغرافيا القارة العجوز و أختها الصغرى، بالإضافة إلى ممثل من اليهود الأشكينازديم و آخر من السفارديم.
قال السفارديمي:- جبل الطور بجبل مرة لنا و خو أرض ميعادنا.
غمز له الأشكينازي غمزة تعني الإتفاق و المناصرة.
رد عليه ماكرون:- ثقافة جبل مرة هي ثقافة السودان الفرنسي، و طالما أن العامل الثقافي و الإجتماعي هما الحاسمان في تحديد مستقبل السودان الجديد.
كاد لوسيفر أن يضربه لفرط غبائه، و لسان حاله يسأل، هل سيكون بعد هذه الحرب سودان أو بيضان؟
تداخل الأشكينازي و سأل الفرنسيس:- قل لي إسما واخداً من أسماء الفرنسيس في جبل مرة سأقول لك عشرة أسماء عبرية.
صمت الفرنسيس فقام السفارديمي و بادره بذكر عشرة أسماء:- داؤود سليمان موشي آرون إساق يعقوب زكريا يخي عيسى و مريم فبهت الفرنسيس.
واصل الإشكينازي:- مقابر أجدادنا في وسط الخرطوم أسفل كبري الخرية و قد اشترينا بيوتا خناك بعدد موتانا، خدثونا عن مقابر فرنسية غير الكاثولوكيات.
قاطعه السفارديمي:- لدينا ثمانية عيون ماء من أصل اثني عشر عين فجرخا موشي في جبل مرة، كم لديكم من العيون غير جواسيسكم التي تجوب شوارع الخرطوم؟
كان لوسيفر و الجميع ينظرون في دهشة لمرافعة بن زايون في قضية أرض ميعادهم المزعومة. كان كلما هم أحد ممثلي دول الشمال أن يترافع يرتد عليه صوته و هو حسير.
دارت أفكارهم حول ذوبان الجليد و غرق هولندا دولة الأراضي المنخفضة ثم الدول الإسكندنافية، ذهب السودان و كل ما أتت به عصابة فاقنر لن يسمنهم و لا يغنيهم من جوع.
١٥)
ضرب لوسيفر الطاولة بشاكوش خشبي فسكت الجميع ثم سأل بن زايون:- كم ستدفعون لي مهرا من دماء هؤلاء البلهاء.
رد عليه السفارديمي:- مليون روخ.
رد عليه لوسيفر:- لن تكفي قوتا لروح المسيخ.
رد الأشكينازديمي:- السد الخبشي مخروس بالفلاشا و سيُدَك بواسطة إبننا الفرعون في الوقت المعلوم.
لوسيفر: كم تتوقع عدد الغرقى من الأطفال حتى نقضي على المستقبل و الكبار لندفن ماضيهم؟
رد السفارديمي:- خمسة ملايين من كل فئة.
سكت لوسيفر و كأنه إقتنع ثم استدرك قائلاً:-- لا لا لا، أريد دماءا فوق تلك الأرواح.
رد الأشكينازديمي:- بعد ضرب السد الخبشي ستدور الخرب بين مصر و إثيوبيا و سنذبخ مئة مليون قرابينا لك.
ضرب لوسيفر بالشاكوش و سأل:- . هل ستقسمون السودان بينكم بثقل الذهب أم بالماء و الغذاء؟
قال ممثل القارة الصبية:- نحن فقط نريد نهر النيل من منبعه لمصبه و مئة ميل عن يمينه و شماله.
غضب السفارديمي و صرخ في وجه ممثل اليانكي و هو يرتجف، بل حاول أن يخنقه. لكن لوسيفر هدأه بلطف و قال:- أولا أنتم أعز أبنائي و لا أحب أن أراكما تتشاجران. ثانيا، هذا المكان لإستخدام العقل و المكر لا العضلات و الصراخ.
ثالثا، إبتعدوا عن ردود الأفعال و لا تكونوا كالمسلمين.
أخيرا، لا يهمني كيف تقتسمون الكيكة لأني أثق فيكم جميعاً.
قوموا للحرب الآن فأرض المعركة جاهزة للبند السابع. قال ذلك ثم رفع الخنجر و غرسه في مدينة الجنينة خاصرة خرطة السودان ثم رفعه مرة أخرى ليغرسه في الخرطوم قلبها النابض.
١٥)
في تمام الساعة الثامنة صبيحة السبت المشؤوم رن هاتف البرهان و هو ما زال نائما.
كوهين:- شلوم برخان.
البرهان:- مرحب سيد كوهين.
كوهين:- خميدتي وقا في شرَك و فُرسة بقى معاك الآن عشان تخلص منو، لا تخرج من بدروم بتاع غرفة عمليات قيادة، أنتم بأعيننا في أمان، إنتخى.
البرهان:- الحاصل شنو بالضبط يا سيد كوهين؟
تلفون كوهين:- تيت تيت تيت.
بعد خمسة ثواني فقط:-
كوهين: شلوم خميدتي.
حميدتي: أهلاً سيد كوهين.
كوهين: أسما كلام ده كويس، إسرائيل و ولايات متخدة كلو مع دعم السريع. البرخان مجرم، خلس منو و الشعب كلو يكون معاك. روخ الآن إستلم القصر الجمخوري. تيارات بتاع أمريكا يجيك بعد يومين ياخد كم سفير و اتنين طن بتاع دخب إنت كان عايز يرسلو إمارات.
حميدتي:- لكن يا سيد كوهين....
تلفون كوهين:-تيت تيت تيت.
برهن البرهان لكل العالمين أنه كسب الرهان ببراهين حاخامات اليهود الذين يسكنون بين رأسه و طاقيته العسكرية. فخرج كالجرذان من تحت الركام و قربانه كبشان يفديان السودان.
سكن الجنجويد في القصر بعد أن شربوا كل قارورات المحاية و أحرقوا حجبات تشاد و النيجر بخور. اكتملت طقوس طلاسمهم بشرب نخب النصر خمراً معتقة احتسوها في جماجم جنود الحرس الجمهوري.
فتح كوهين ثلاجة كبيرة تشبه سحارات السودان القديمة مليئة بمئات القوارير المطلسمة.
أخرج قارورة واحدة مليئة بسائل احمر غسل به طلاسمه قبل أن يحرقها ببخور الحاخام الأكبر و يذر رمادها في الهواء في إتجاه مجمع البحرين.
دخان أسود تحرسه طائرتان مسيرتان و على متن كل واحدة منهما نسر برتبة عقيد مزود بكاميرات عالية الجودة و قد رصت دبابيرهما تحت أجنحتهما.
شوارع الخرطوم أنبتت كلاب مسعورة لا تأكل سوى لحم الإنسان؛ أبواق السيارات تحولت لنعيق غربان؛ و طيور البوم تحوم حول فضاء البدروم المشؤوم.
في فضاء ميدان الشهداء بأم درمان، إجتمعت كل أرواح شهداء الإعتصام. أما في ميدان الحرية بالخرطوم فقد تحررت الأسعار. كبر الباعة الصغار بعد أن رفعوا شعار دقلو شال البلا و زقلو. حينها ظهر الجن ككائنات مرئية تمشي في أسواق الخرطوم، و تسلل الإنس بعد أن تحول لمخلوقات خفية تخترق أسوار القصور.
١٦)
أمخاخ الجنود و المدنيين التي تطايرت في شوارع الخرطوم نضجت بعد فوات الأوان. بخرت أشعة الشمس الحارقة ندى ذكرياتهم الحلوة و رددت صدى أفكارهم المرة .
بالقرب من تمثال الجندي المجهول تكدست و تعفنت جثث كثيرة عدا جثة واحدة لجندي صام أربعة أيام لم يدخل في جوفه سوى آخر جرعة حلومر في زمزميته جمعت حلاوة الدنيا بمرارة الحرب. للمرة المليون يموت جندي سوداني مجهول الهوية فارغ المحتوى كفراغ زمزميته.
أكياس النايلون في الخرطوم تسكنها و تحركها مخلوقات خفية تستمد طاقاتها السالبة من غازات المجاري و بالوعات الذوات المتضخمة للنخب و الجنرالات. هناك شواهد كثيرة رآها أصحاب البصيرة.
بالقرب من سوق الخرطوم المركزي طار كيس نايلون أسود ثم هبط مفتوحا ليغطي رأس صبي مشرد. كانت يد الصبي اليسرى مشلولة فاصطادته طلقة في يده اليمنى في نفس الوقت الذي حل الكيس الأسود على رأسه فمات مختنقاً بالكيس لا بالطلقة.
عصابة من أكياس النايلون إجتمعت تحت كبري سوق الخرطوم المركزي، لم تنتظر كثيراً قبل أن يجمعها إعصار طويل طاف دورتين ثم دخل بالأكياس لسائق حافلة كان يعبر الكبري، أفقدته التوازن فانقلبت الحافلة و مات كل الركاب.
١٧)
أشرقت شمس صباح عيد الفطر مكسورة الشعاع، مكسوفة النفس من خطل السوسة و العسكر بكسوف فلت من كل مراصد الفلك.
ثمة يد طويلة حاولت أن تعبث بظل الأرض لتكتب على جبين الشمس المكسوفة كلمة النهاية.

ذاكرة النيل
Khalid Alarabi
تجمعُنا الهويّة السودانيّة بكلّ تبايناتها، ويربطنا النيل.
لطالما كُنت أشعر بارتباطٍ وجدانيٍّ عميقٍ بالنيل، إذ أقطعه يوميًّا في رحلتي من الخرطوم بحري إلى الخرطوم، وإلى أمدرمان، حتى أن الأغنيات التي تذكر النيل كانت ولا زالت الأقرب إلى قلبي.
مُنذ عهد الصبا وأنا لا زلت في مقاعد الدراسة، كُنت أحرصُ على أن أنتقي مقعدًا مُطلاً على النيل، إذ تسري فيّ سكينة لا أستطيعُ وصفها حين أشاهد جريانه الذي لا يتوقّف.
كان وداعُ النيل بالنسبة لي هو وداعُ السودان، نقطةٌ منها أدركت أنني أقفز إلى المجهول، أن الأرض التي أعرفها قد سُلبت من تحتي كليًّا كما يُسحب البِساط، أنّ كلّ طريق منذ هذه اللحظة لن يقودني إلى أيّ مكان، وأن كلّ بلادٍ ستطؤها قدمايَ لن تكون سوى منفى.

The Map is Not the Memory
Ahmed Mansour
A visual elegy for Sudan, where geography fades but memory resists erasure.
Through layered collages and fragmented forms, this collection reclaims what cannot be charted — the scent of dust after rain, the rhythm of a grandmother’s prayer, the architecture of grief and joy. In a time when borders shift and histories are rewritten, these works speak from the in-between: where exile meets belonging, and where the land lives on in the body, the fabric, and the image.
Each piece resists simplification. Together, they declare:
"We are more than what maps forget. We are what memory refuses to lose."

أنبقى في سهاد؟
Alaa
نعست أجفاني فأغمضتها بعد أن ألقيت بجسدي على مرتبة لا يفصل شيء بينها وبين السيراميك -الذي تزداد برودته ورطوبته مع مرور الوقت بسبب مكيف المياه الذي لم يلبث القليل مذ شغلته-، ذلك وأنّ هذه الأعين كان لابد لها أن تغفو؛ فقد كان اليوم حافلاً بمن فيه من أهل قلقين، وأصدقاء ومعارف مقلوقٍ عليهم، كما كان الليل جافلاً لما فيه من اضطراب وخوف من أن يكون هو الليل المنشود الذي ستبدأ فيه أحداث لن تُنسى.
أغلقت هاتين الناعستين، وأردت أن أنعم بالقليل من الراحة لاستطيع أن أكون بكامل وعيي عندما أسمع خبر انتصار القوات المسلحة السودانية على قوات الدعم السريع، انتظرت وقع هذه الجملة على أذني بفارغ الصبر ولكنني لم أستطع سماعها أبداً فلم أهنأ بنومي وقتها؛ لأنه حينها اهتزت تلك الأرض الباردة إثر طائرة حربية يفصلني عنها سقف الغرفة التي اتربع فيها!
وبعدها وبعد قليل، أتى أمر من والدي العزيز بالجهوز لأننا مغادرون بعد ساعات وقد كان!
بكيت وقتها بكاءاً حاداً لم أستطع تحديد سببه، إن كان بسبب وجهتنا أم ما يحدث أم مفارقة المنزل أم أنه النوم العميق الذي لم استطلع الاستيقاظ منه وبدأ يتحول حلمي إلى كابوس، لا أعلم، ولكن ما هو مؤكد، هو أنني أشعر بحرقة كبيرة تسري من خلالي أوصلتني حد الارتجاف.
ولكن حينما يضرب الواقع يجعل من المرء مسلّماً لما بين يديه وما خلفه، فقد سلّمت، وعندها خرجت من المنزل الذي شبيت بين جدرانه وترعرعت بين جيرانه وسقطت مع سقوط أوراق أشجاره ونموت كنمو فروعها فانغرستْ جذوري فيه وصارت جزءاً منه، خرجتُ منه على أمل أن أعود إليه بعد ٣ أيام، فقد كان الخروج ولكن العودة لم تكن.
أكتب اليوم بعد مرور عشرة أشهر على ذلك، وبعد إذنه تعالى ها أنا اليوم أحمده على دوام صحتي وصحة من حولي وعافيتهم، خرجنا من ذلك الكابوس، ولكن الذي تبقى هو الخوف من ارتخاء هذه الجفون مجددا!!
أينبغي علينا إغماضها ووضع أمل جديد؟ أم نبقى كما نحن، نبقى في سهاد حتى نعود لما قبل هذا المنام؟
الصورة: آخر صورة صورتها ونحن طالعين والعربية بدت تتحرك اولريدي :(

الذكرى المنسية
Ayah Genaid
لمحة أخيرة، صادقة، خطفت من جريان الوقت. الوقت الذي لم يمهلنا الوداع الحقيقي للخرطوم ولمنزلنا بالأخص.
في صباح 23 أبريل 2023 قرر أبي أن ساعة التخلي قد جاءت, التخلي عن المنزل، عن الذكريات، عن النشئة وعن كل ما يربطنا بمعنى الأسرة. ولكن كل ما كان يهم والدي كصاحب القرار الأول في مصيرنا هو السلامة لذلك كان لابد من الاقدام على هذه الخطوة.
أكن كامل المشاعر لهذه الصورة تحديداََ, مع فيض كبير من الحنين و الأسى ممزوج بأمل العودة، حيث ما زالت هذه المفاتيح مع أمي تحتفظ بها الى يومنا هذا وهي على يقين بالعودة، وعلمتني رحلة النزوح وتجربة الحرب ألا بد من نهاية لكل مرحلة.

