مدن مؤقتة
Kamal Abdulmonem
بعد أكثر من ثلاثة أعوام من النزوح، وعلى طرقات السودان التي عرفت خطواتي جيدًا، تنقلت من الخرطوم إلى جنوب السودان، مرورًا بعدد لا يحصى من المدن، مدن كثيرة لدرجة أنني لم أعد أستطيع تذكّرها جميعًا.
في كل مدينة، كنت أبحث عن شيء ما: فرصة للاستمرار، مساحة أتنفس فيها، ولحظة أكون فيها فقط.
وفي أحد تلك المسارات، قادتني خطاي إلى بورتسودان.
في قلب هذه المدينة، حيث رائحة البحر تختلط بنبض السوق، وتُطرّز الأبواب القديمة ذاكرة الحي، بدأت أرى الحياة من زاوية مختلفة.
كأنني كنت أركض بأقصى سرعة، ثم توقفت فجأة... فقط لألتقط أنفاسي.
وهنا، في هذه المدينة المؤقتة، أمسكت بالكاميرا وكأنني أمسكت بجزء من ذاتي من جديد.
اثناء الحرب اكتشفت ان التصوير بالنسبة لي لم يكن مجرد هواية، بل أداة للتعافي.
هو طريقتي لتفريغ ما تراكم داخلي من صدمات الحرب والشتات، ومحاولة للنجاة من كل ما يصعب قوله بالكلمات.
كل صورة التقطتها كانت نافذة صغيرة أطلّ من خلالها على الحياة، وأستعيد بها جزءًا مني كاد أن يتلاشى.
هذا المشروع يوثّق مشاهد من بورتسودان كما رأتها عين أنهكها الرحيل، لكنها ما زالت تؤمن بجمال التفاصيل الصغيرة.
بين أبواب صامدة، أروقة صامتة، وأرواح تمرّ كل يوم دون أن نلتفت إليها، وجدت قصصًا تستحق أن تُروى.










